“حين عشق الشاعرُ أميرةً لا تُحبّ إلا الحرية”
🕊️ الفصل الأول: أميرة لا تشبه أحدًا
في مدينة قرطبة، التي كانت آنذاك عاصمة المجد والعلم، عاشت أميرة جميلة من بيت الخلافة: ولّادة بنت المستكفي بالله ( حبيبة ابن زيدون ) ، آخر خلفاء بني أمية في الأندلس.
كانت شاعرة فصيحة، ذكية، جريئة، تجلس في مجلسها الخاص تُنشد الشعر وتحاور العلماء والوزراء، وترتدي ثيابًا مطرزة بخيوط الحرير، وقد كتبت على كمّها:
“أنا والله أصلحُ للمعالي
وأمشي مشيتي وأتيهُ تيها.”
لم تكن كبقية نساء زمانها… كانت امرأةً حرة الفكر، عاشقةً للجمال، وحاكمةً لمجلسها.
✍️ الفصل الثاني: لقاء الشاعر بالأميرة
وذات مساء، دخل عليها شاعر شاب وسيم، واسع الثقافة، اسمه أبو الوليد إبن زيدون.
كان من أهل الأدب والسياسة، ومن كبار كتّاب بني جهور، وقد ذاع صيته بشعره العذب ولسانه الفصيح.
حين التقت عيونه بعينيها، خفق قلبه، وشعر أنه أمام امرأةٍ تجمع بين جمال الوجه وجمال الروح.
تحدثا أول مرة عن الشعر، ثم عن الحرية، ثم عن الحب… ومنذ تلك الليلة، صار ابن زيدون لا ينام إلا وهو يكتب لها شعرًا.
كتب إليها يقول:
أضحى التنائي بديلاً من تدانينا
وناب عن طيب لُقيانا تجافينا
ألا وقد حانَ صُبحُ البينِ صبّحَنا
حينٌ فقام بنا للحينِ ناعينا
كانت ولّادة تقرأ أبياته، فتبتسم، وتردّ عليه شعرًا لا يقل جمالاً، وكان حبهما حديث الناس في قرطبة.
🌙 الفصل الثالث: غيرة القصور
لكن قصور الملوك لا تسمح للحب أن يعيش طويلًا.
كان في البلاط رجلٌ آخر يُدعى ابن عبدوس، وزيرٌ قويّ، أحبّ ولادة هو أيضًا، وملأ قلبه الحسد من ابن زيدون.
فأخذ يحرّض عليه الحاكم، ويتهمه بالمؤامرة، حتى زُجّ بابن زيدون في السجن.
وفي زنزانته الباردة، لم يكن ابن زيدون يبكي حريته، بل يبكي حبيبته.
كتب لها من السجن رسالة يقول فيها:
إنّي ذكرتُكِ بالزهراء مشتاقًا
والأفقُ طلقٌ ومرأى الأرض قد راقا
وللنسيم اعتلالٌ في أصائلهِ
كأنّهُ رقَّ لي فاعتلَّ إشفاقا
كانت تلك الرسالة من أجمل ما كتب شاعر لحبيبته في تاريخ الأندلس.
🌧️ الفصل الرابع: الفراق الذي لا يُنسى
أُفرج عن ابن زيدون بعد زمن، لكنه حين عاد إلى قرطبة، وجد أن ولادة لم تعد له كما كانت.
كانت فخورةً، مجروحةً، تكره الخيانة السياسية، وتكره الضعف.
استقبلته بابتسامةٍ حزينة وقالت:
“يا ابن زيدون… أنت شاعر عظيم، لكنك أحببتَ امرأةً لا تملكها الكلمات.”
وانتهى اللقاء كما بدأت قصتهما: بالشعر.
افترقا، لكن لم ينسَ أحدهما الآخر، وظلّ كلٌّ منهما يكتب عن الآخر حتى النهاية.
ومات ابن زيدون، ودفن في قرطبة، بينما بقيت ولادة تعيش هناك، تمرّ كل يومٍ بقبره وتتمتم بشعرٍ لا يسمعه أحد.
🌹 النهاية:
قصة ابن زيدون وولادة ليست فقط قصة حب، بل هي قصة الأندلس نفسها: جمالٌ، وشعر، ومجدٌ، ثم فراق.
وحين يقرأ الناس شعر ابن زيدون اليوم، كأنهم يسمعون أنين قرطبة القديمة وهي تودّع مجدها الأخير.
