الأندلس : الحلم الذي وُلد عند بوابة البحر

في ليلةٍ من ليالي ربيعٍ صافي، وقف القائد طارق بن زياد – فاتح الأندلس – على شاطئ البحر، ينظر إلى أمواجٍ تلمع تحت ضوء القمر، وأمامها تمتد أرضٌ خضراء لا يعرفها المسلمون بعد.
وراءه كان جنوده، بقلوبٍ تمتلئ شوقًا للمجد وخوفًا من المجهول.
رفع طارق سيفه، وقال كلمته الشهيرة التي خلدها التاريخ:

“أيها الناس، أين المفرّ؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصبر والصدق!”

عبروا البحر إلى الأندلس، تلك الأرض التي كانت تحت حكم القوط.
واندلعت معركة وادي لكة سنة 92هـ، فكانت بداية فتحٍ غيّر وجه التاريخ.
دخل المسلمون قرطبة وغرناطة وإشبيلية، ومع كل مدينةٍ كانوا يفتحونها، كانوا يبنون مسجدًا، ومدرسةً، وجسرًا من نورٍ بين الشرق والغرب.


🏰 الفصل الثاني: زمن المجد والضياء

مرت الأعوام، وتحولت الأندلس إلى جنةٍ على الأرض.
في قرطبة، كانت الشوارع تُضاء بالمصابيح، والماء يجري في القنوات، والعلماء من كل الأديان يجلسون في حلقاتٍ واحدة يتبادلون الفكر والمعرفة.
كان عبد الرحمن الداخل، الملقب بـ”صقر قريش”، هو من وحّدها بعد أن كادت تضيع. هرب من المشرق بعد سقوط الدولة الأموية، لكنه حمل معه حضارةً جديدة.

ثم جاء بعده عبد الرحمن الناصر والحكم المستنصر، وفي عهدهما بلغت الأندلس أوجها.
كان الناس يقولون:

“من أراد أن يرى روضةً من رياض الجنة، فليزر الأندلس.”

فيها الطب والفلك والموسيقى والعمارة…
وفي قصر الزهراء كان الشعراء ينشدون، والرياح تعبق برائحة الورد والياسمين.


🌙 الفصل الثالث: انقسام الممالك وسقوط الحلم

لكن، وكما يحدث في القصص العظيمة، تسلّل الضعف من الداخل.
بدأ الأمر حين انقسمت البلاد إلى دويلات صغيرة تُسمّى ملوك الطوائف.
كل حاكمٍ أراد ملكه الخاص، ونسوا أن قوتهم في وحدتهم.

وجاءت الممالك المسيحية في الشمال، فاستغلّت الخلاف، وبدأت تستعيد أرضها خطوةً بخطوة.
سقطت طليطلة، ثم توالت المدن.
وقف المعتمد بن عباد، ملك إشبيلية، على أسوار مدينته يبكي، وقال قولته المؤثرة:

“رعي الجمال عند يوسف بن تاشفين خيرٌ لي من رعي الخنازير عند ألفونسو.”

واستُدعي المرابطون ثم الموحدون من المغرب، فأنقذوا الأندلس لبعض الوقت… لكن القدر كان قد كتب صفحة النهاية.


🕊️ الفصل الرابع: آخر اللحن في غرناطة

بقيت غرناطة، آخر ما تبقّى من الحلم، كالزهرة التي تصرّ على الحياة في أرضٍ قاحلة.
وفيها عاش بنو الأحمر قرونًا من الصمود والجمال.
شُيِّد قصر الحمراء، تحفةٌ من الرخام والفسيفساء والآيات المنقوشة على الجدران:

“ولا غالب إلا الله.”

وفي عام 897هـ (1492م)، سلّم أبو عبد الله الصغير مفاتيح غرناطة إلى الملكين الكاثوليكيين.
وعندما غادر، نظر إلى المدينة من بعيد ودموعه تسيل، فقالت له أمه بحسرةٍ خالدة:

“ابكِ كالنساء ملكًا لم تحافظ عليه كالرجال.”

وهكذا، أُسدلت الستارة على ثمانية قرونٍ من المجد، بقيت فيها الأندلس جسرًا للحضارة، وشاهدةً على أن النور يمكن أن يخرج من الشرق ليضيء الغرب.

أضف تعليق