🦅 صقر قريش: الرجل الذي نهض من الرماد

الفصل الأول: الهروب من المشرق

عبد الرحمن بن معاوية بن هشام( صقر قريش ) : كانت شمس دمشق تميل إلى الغروب حين دوّى صوت السيوف في القصر الأموي.
الدماء سالت على الرخام الأبيض، والدولة التي حكمت العالم بدأت تنهار.
وفي زاويةٍ من زوايا القصر، كان فتى في العشرين من عمره يركض، قلبه يخفق كطبول الحرب.
كان اسمه عبد الرحمن بن معاوية بن هشام( صقر قريش ) — آخر وريثٍ من بني أمية.

قتلت الثورة العباسية كل من حمل اسم “أموي”، ولم ينجُ من تلك المذبحة سوى هذا الفتى، الذي عبر الصحراء بين الشام والمغرب، وحيدًا، مطاردًا، لا يملك سوى سيفٍ وذكرى.
ظلّ يهرب لسنوات، يبيت على الرمال، ويشرب من دموعه، حتى وصل إلى ضفاف نهر القيروان، ثم إلى المغرب، وهناك بدأت قصته الحقيقية.


الفصل الثاني: الحلم الذي عبر البحر

في الأندلس، كان الناس مختلفين بعد أن انفرط عقد الحكم، وكل حاكمٍ يحلم بالملك.
سمع عبد الرحمن أن هناك من لا يزال يحنّ إلى بني أمية، فقال لنفسه:

“سأبني لهم دولةً من جديد، ولو على أطراف الأرض.”

ركب البحر في قاربٍ صغير، والريح تزمجر، والأمواج تعلو، لكنه لم يخَف.
كان يحمل في قلبه حلمًا بحجم دمشق.

وصل إلى الأندلس، وهناك التفّ حوله من تبقّى من الأمويين، والقبائل التي ملت الفوضى.
وفي معركةٍ حاسمة عند نهر الوادي الكبير، رفع عبد الرحمن رايةً بيضاء كُتب عليها:

“العدل أساس المُلك.”

وانتصر، ودخل قرطبة سنة 138هـ، ليؤسس دولةً جديدة من الرماد.


الفصل الثالث: بناء الجنة

كانت قرطبة آنذاك مدينةً صغيرة، لكن تحت يد الداخل تحولت إلى جوهرة.
شقّ الأنهار، وبنى القصور، وغرس النخيل الذي جلبه معه من الشرق.
وكان يقول وهو ينظر إلى نخلةٍ وحيدة في حديقته:

“يا نخلتي شرقًا غُرستِ، فغُرستُ مثلكِ في غربٍ بعيد.”

تلك النخلة كانت تشبهه: غريبة، لكنها شامخة.

بنى قصر الرصافة، وأعاد مجد بني أمية، لكن دون دماء، بل بالعلم والعمران والعدل.
صار يُعرف بلقب “صقر قريش”، حتى إن الخليفة العباسي المنصور نفسه قال عنه:

“ذلك الفتى الذي طار إلينا من قريش كالصقر، فملك الأندلس وحده!”


الفصل الرابع: الغريب في وطنٍ جديد

رغم كل ما بناه، ظلّ عبد الرحمن يشعر بالغربة.
كان إذا جلس في ليله، سمع في البعيد أذان دمشق في ذاكرته، ودموع أمه التي لم يرها ثانية.
كتب شعرًا يقول فيه:

أيّها الراكبُ الميممُ أرضي
أقرِ من بعضي السّلامَ لبعضي
إن جسمي كما علمتَ بأرضٍ
وفؤادي ومالكيه بأرضِ

ومات عبد الرحمن وقد جعل من الأندلس جنةً للعرب والمسلمين، ومن قرطبة عاصمةً للعلم والحضارة، ومن نفسه رمزًا للرجل الذي لا يستسلم للقدر.


🕊️ النهاية:

رحل “صقر قريش” جسدًا، لكن روحه ظلّت في نخلةٍ شامخةٍ في قرطبة، تهمس لكل من يمرّ بها:

“قد يهاجر الجسد، لكن لا تموت الأحلام.”

أضف تعليق